InicioLe populisme : dilemmes théoriques, contextes de propagation et expériences comparées

InicioLe populisme : dilemmes théoriques, contextes de propagation et expériences comparées

الشّعبويّة: إحراجات نظريّة، سياقات الانتشار وتجارب مقارنة

Le populisme : dilemmes théoriques, contextes de propagation et expériences comparées

Populism: Theoretical Confusion, Contexts of proliferation and Comparative Experiences

*  *  *

Publicado el vendredi 15 de janvier de 2021

Resumen

لئن أجمع جُلّ الباحثين على حداثة الشّعبويّة، فإن ذلك لا ينبغي ،بأي حال من الأحوال، أن يُعطّل حرصنا على مزيد النّظر في إرهاصات هذه الظّاهرة وأصولها في التّاريخ القديم. ولا يعني البحث عن الجذور التّاريخيّة  للشّعبويّة ، التي يعود بها البعض إلى أزمنة قديمة، سوى محاولة تأصيلٍ تخذُلها أحيانا جملة القطائع الحاصلة ،معنى وممارسة، في مجرى تحوّلاتها اللاّحقة. هذا المقصد النّقديّ يبدو مستعصيا للوهلة الأولى لاعتبارات عديدة منها ما طرأ على الشّعبويّة من تحوّلات حتّى كادت تفقد صورها الأولى. والأرجح عند هؤلاء أنّ بداياتها الحقيقيّة تزامنت مع بروز الدّيموقراطية الحديثة التي اعترتها مبكّرا علل عديدة.

قد يعتقد البعض أن الشّعبويّة مسألة لا تعنينا أصلا وهي التي تلازم ظُهورها مع الدّيموقراطيات التي نشأت في المجتمعات الغربيّة، وأنّ بلداننا ستظلّ بمنأى عنها. غير أن هذا الرّأي يتهافت لأكثر من سبب، أهمها اثنان : الأوّل هو أن بعض البلدان العربيّة قد شهدت في تاريخها السّياسي الحديث أشكالا من الشّعبويّة خصوصا في فترة الاستقلالات الوطنيّة التي أتاحت صعود أنظمة تسلطيّة ادعت أنّها ضمير الشّعب وأنها صوته الأصيل وتجسيد لإرادته، وهو ما أوجد مبررات عديدة كان للزعامات الكاريزمية دور كبير في تثبيتها. أمّا الثاني فهو عائد إلى تأثير الشّعبوبّات الرّاهنة في مجرى الأحداث والعلاقات الدّوليّة، فضلا عن أنها مصدر إلهام للعديد من "الحركات السّياسيّة العربيّة"، كما أن الخطاب السّياسي، حُكمًا و معارضة يتغذّى من  معجم الشّعبويّة وممارساتها.

Anuncio

 دعوة للمشاركة في ندوة علمية دولية

الشّعبويّة: إحراجات نظريّة، سياقات الانتشار وتجارب مقارنة

20-21-22 ماي/ايار 2021

يعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات .تونس، عن بدء استقبال المقترحات البحثية للمشاركة في الندوة العلمية الدولية التي ينظمها بعنوان "الشّعبويّة: إحراجات نظريّة، سياقات الانتشار  وتجارب مقارنة"  في الفترة 20-21-22 ماي/ايار 2021 بتونس.

 الورقة المرجعية

على امتداد أكثر من قرن انتشرت الشّعبويّة ، فكرا وممارسة، انتشارا واسعا.  فاستلهمت ألوانا شتّى تنهل من خصوصيّات ثقافيّة وسياسيّة محليّة وتحوّلات إقليميّة وجيوسياسيّة مختلفة. أثمر ذلك تفريعات وتشقيقات جديدة، حتّى بتنا نتحدّث عن شعبويّات خاصّةٍ، نذكر منها على سبيل المثال شعبويّات أمريكا اللاّتينيّة، شعبويّات أوروبا، شعبويّات آسيا، شعبويات إفريقيا ...الخ. 

ما كان للشّعبويّة أن تجد كل هذا القبول والرّواج وتخلق حاضنات هامّة  لولا تزايد  "الطّلب عليها".  قد يعود الأمر أيضا إلى أسباب أعمق، تتّصل بالأزمات البنيويّة الحادّة التي رافقت الدّيموقراطيّة (اللّيبراليّة)، وهي فرضيّة تحتاج إلى مزيد النّظر والتّقليب. وممّا يحفّز على تبنّي هذه المقاربة، تلك الجهود النّظريّة المبذولة الحريصة على الارتقاء بالشّعبويّة إلى مرتبة البديل الذي يرى العالم والسّياسة على نحو آخر كفيل بإنقاذ الشّعب من عيوب الدّيموقراطية  وأخطارها وتمكينه من تحقيق إرادته وتجسيد سيادته .

يُرجّح العديد من الباحثين أن الشّعبويّة قد استمدّت مشروعيّتها من إخفاقات النّخب خصوصا  في أدائها السّياسيّ الذي أنهك الدّيموقراطية عقودا طويلة، إذ تقلّصت المشاركة السّياسيّة وتآكلت القاعدة الشّعبيّة للأحزاب وعزف المواطنون عن الانتخاب والانخراط في الشّأن العام ، في مناخات من السّخط على تنامي نفوذ الأجسام الوسيطة وسرقتها إرادة الشّعب إلى حد الاغتراب. لا شكّ في أن هذه بعض من عوامل ساهمت في صعود الشّعبويّة المثير للانتباه رغم أنّها تظلّ مجرّد فرضيّات لا تحظى بالإجماع لدى العديد من الجماعات العلميّة.

قد يعتقد البعض أن الشّعبويّة مسألة لا تعنينا أصلا وهي التي تلازم ظُهورها مع الدّيموقراطيات التي نشأت في المجتمعات الغربيّة، وأنّ بلداننا ستظلّ بمنأى عنها. غير أن هذا الرّأي يتهافت لأكثر من سبب، أهمها اثنان : الأوّل هو أن بعض البلدان العربيّة قد شهدت في تاريخها السّياسي الحديث أشكالا من الشّعبويّة خصوصا في فترة الاستقلالات الوطنيّة التي أتاحت صعود أنظمة تسلطيّة ادعت أنّها ضمير الشّعب وأنها صوته الأصيل وتجسيد لإرادته، وهو ما أوجد مبررات عديدة كان للزعامات الكاريزمية دور كبير في تثبيتها. أمّا الثاني فهو عائد إلى تأثير الشّعبوبّات الرّاهنة في مجرى الأحداث والعلاقات الدّوليّة، فضلا عن أنها مصدر إلهام للعديد من "الحركات السّياسيّة العربيّة"، كما أن الخطاب السّياسي، حُكمًا و معارضة يتغذّى من  معجم الشّعبويّة وممارساتها.

لتحليل هذه الأطروحات وتفكيكها وللإجابة عن عدد من الإشكاليّات التي ظلّت عالقة، يعقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس ندوة علميّة دوليّة عنوانها :" الشّعبويّة: إحراجات نظريّة،سياقات الانتشار وتجارب مقارنة"، تطمح هذه النّدوة  إلى الخوض في المحاور التّالية:

المحور الأول: الشّعبويّة ،التباس المفهوم وغموض الدّلالة

علينا منذ البداية الإقرار أنّنا إزاء مفهوم حديث لم يتم  تداوله في  الحقل الأكاديمي إلاّ مؤخرا، وقد ظلّ وقتا طويلا  موضوعاً للصّحافة والسّجالات السّياسيّة المحتدمة، ثم ما لبث أن تسلّل تدريجيّا إلى الأدبيّات الاجتماعيّة والإنسانيّة حتّى استقرّ "مفهوما" رغم اللّبس النّظري السّميك الّذي ما يزال يلفّه. ربّما لا تُشكّل الشّعبويّة استثناء، فالمفاهيم  تحتفظ عادة  بشيء من الغموض مهما ادّعينا وضُوحها، ومع ذلك حافظ مفهوم الشّعبويّة على تفرّده، فظلّ مشدودا إلى وصم يلازمه قلّما أفلح المختصّون في التّخفيف من وطأته.

تباينت زوايا النظر بين الباحثين في الشّعبويّة، فمنهم من اهتمّ بتعبيراتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ومنهم من ركّز على جُملة من السّلوكات والتّصرّفات التي يتحلّى بها الزّعيم الشّعبوي، الحريص على نسج علاقات حميمة ومتفرّدة بينه وبين الحشود/ الشّعب ومحو جلّ الوسائط المألوفة  (خاصة في الحالة الأمريكيّة اللاّتينية)، باعتبارها ترسم مسافة غربة واغتراب بين الزّعيم وشعبه. يذهب البعض الآخر إلى إيلاء مسألة التّواصل السّياسي في الشعبويّة عناية فائقة من خلال التّشديد على أهميّة الأسلوب والخطاب عامّة، ذلك الخطاب الذي يلقى قبولا واسعا ويخلق الاستقطاب بين النّخب الحاكمة من جهة وعموم الشّعب من جهة أخرى. لا شكّ أن هناك معجما غزيرا وسجلاّت عديدة من الممارسات المختلفة التي يتمّ نَظمُها بعناية فائقة، رغم ما تُوهم به من عفويّة تجري على الألسن و تتجسّد في الأفعال.

منذ سبعينات القرن الماضي تمّ الانتباه[1] إلى النّشأة المشوّهة للشّعبويّة والغموض الكبير الّذي يحيط بالمفهوم، خاصّة بعد حضوره المكثّف في التّحاليل السّياسيّة المعاصرة. رغم بعض التّوجه النّظري الّذي يزدري الشعبويّة ويعتبرها "صفة سلبيّة " ويتّهمها بسعيها الدّائم للنّيل من مؤسسّات الحكم والتّشكيك المستمرّ في بدائل الفاعلين السّياسيّين؛  فعلينا ألاّ ننسى أن الشّعبويّة تعتبر هذا الخطاب صادرا عن خصوم، تُقدّمهم كسبب كل الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسية التي تمرّ بها بعض البُلدان .

دعا بعض الباحثين[2] ،  الذين ينتقدون بشدّة سعي النّخب السّياسية إلى فرض رؤاها على الجمهور، إلى الحذر من  الشعبويّة.  لكن رغم الاستعمال المكثّف لمصطلح الشّعبويّة في بعض التّحاليل والحضور القوي للهويّة السّياسية الوطنيّة في الخطاب الشّعبوي، فإنّه لا يمكن عزلها عن تراكم الأزمات وفشل الإصلاحات المقترحة.

يثير مفهوم الشّعبويّة أسئلة كثيرة ومتعدّدة تحوم حول حقيقة القدرات التّحليليّة التي يدّعيها. ومع إقرارنا بأنه يمكن أن تكون إحدى الإجابات الممكنة عن الإخلالات الوظيفيّة للدّيموقراطية وطرائق اشتغالها فإنّها تظلّ "قوّة غضب" وذلك ما يمنح لخطابها نفسا احتجاجيا و"قدرة  فعل حقيقيّة"[3]. وعلى هذا النحو، تبدو الشّعبويّة ، كلمة حقيبةً أو مفهوما جرابًا تُعسِّر على الباحثين إمكانيّة حصر دلالاتها وتوضيح معانيها أو شدّها إلى نظام سياسي بعينه أو مضمون إيديولوجي ثابت. نحن فعلا أمام صعوبة بالغة لرسم حدود هذا المفهوم وربّما هذا ما ينزع[4] عن الشّعبويّة  الإجماع العلمي حول أدنى دلالتها.

 يطرح هذا المفهوم مجموعة من الأسئلة النّظريّة أمام الباحثين وتهمّ في جُلّها السياقات الابستيمولوجيّة المختلفة لاستعمالاته. فماهي هذه السّياقات؟ هل هناك معنى دقيق للشّعبويّة وما هي مخاطر استعمالاتها؟ هل لهذا المفهوم، على افتراض الاتّفاق حول مضمونه، محتوى معرفي واضح أم أنه مشبع بالإيديولوجيا ؟ما هي القدرات التّحليليّة والإجرائيّة لهذا المفهوم؟ كيف يمكن أن نستفيد منه، رغم عديد الاعتراضات النظريّة عليه، في تحليل بعض الأزمات السّياسيّة الحديثة والمعاصرة التي ترافق الديموقراطية؟ ألم يصبح عند البعض مدخلا نظريّا مهمّا لفهم مضامين عديد الحركات الاجتماعيّة وشعاراتها حول سيادة الشعب وإعادة إنعاش الدّيموقراطيّة وتجذير المقاربة التّشاركيّة؟

المحور الثاني:  تجارب مقارنة

اندلعت منذ نهاية القرن التاسع عشر،  الموجات الأولى للشّعبويّة الأمريكيّة والرّوسية المعتدّة بنفسها آنذاك، وأطلقت معها نقاشا علميّا لم يهدأ بعد، يحتدم فيه الجدل حول تفسير ما حصل. وعلى خلاف كلّ التّوقعات، فإن الشّعبويّة لم يَخبُ بَريقُها وعادت بقوّة في العقود الثّلاثة الأخيرة، واستطاعت أن تُشكّل لها ،أينما حلّت، قاعدة انتخابيّة أوصلتها إلى الحكم أو المشاركة فيه في عدة بُلدان. فمنذ ظهور "حزب الشّعب" الأمريكي الذي دعا أساسا إلى توسيع المشاركة الشّعبيّة في العمليّة السّياسيّة وانفتاح النّخبة السّياسيّة على الفلاّحين في الأرياف لترسيخ الدّيمقراطية، مرورا بالتّجربة الفينيزويلّية الدّاعية إلى توزيع عادل للثّروات ومقاومة التّدخل الخارجي وتمكين الشّعب من السّلطة، نجحت الشّعبويّة،  باعتبارها "تيّارا سياسيا" ، في إبراز الإخلالات الوظيفيّة للدّيموقراطية الحديثة واستفادت من الأزمة الاجتماعيّة الخانقة للطّبقة الوسطى وتراجع مكاسب سكّان الرّيف والعمّال وصغار الموظّفين حتّى تحوّلت إلى فاعل سياسيّ حاضر بقوّة، ورقم انتخابيّ لا يمكن التّغافل عنه.

 تُقدّم تجربة سيريزا Syriza)) في اليونان أيضا حُججًا إضافيّة على ترابط الشّعبويّة بالسّياقات الاقتصادية الصّعبة، حيث استفادت من الأزمة الاجتماعيّة الخانقة التي مرّت بها البلاد في السّنوات القليلة الماضية، لتتقدّم بديلا اجتماعيّا واقتصاديّا يطمحُ إلى تجاوز هذا الفشل. لا يختلف الأمر كثيرا في فرنسا ، حيث توطّن اليمين الفرنسي في المشهد السّياسيّ عبر خطاب شعبويّ تعاطفت معه فئات ريفيّة هشّة وحضريّة متوسّطة الحال فضلا عن شرائح اجتماعيّة ميسورة. كما لم تسلم الدّيموقراطية الأمريكيّة، التي كان قد أشاد بصلابتها توكفيل، من هذه الشّعبوية التي أتاحت لترامب الحصول على تأييد واسع من الرّيف الأمريكي ونسب تصويت عالية من العمّال وصغار التّجار قبل أن تنقلب موازين القوى لخصمه الدّيموقراطي في انتخابات نوفمبر 2020.

رغم تباين التوجّهات الإيديولوجيّة لهذه التّجارب ظاهريّا فإنّ البعض من الباحثين يعتقدون أنّ لها عدّة نقاط مشتركة في مطالبها السّياسيّة وبرامجها الاقتصاديّة. فماهي الخصائص المشتركة لهذه التّجارب على تنوّعها؟ هل نحن إزاء "متلازمة" أم "إيديولوجيا" أم "حركة اجتماعيّة"؟ هل يمكننا تجاوز السيّاقات الجيوسياسيّة من أجل الظّفر بحصر الخصائص المشتركة لظواهر توصف بالشّعبويّة في سياق أوروبي، أمريكي، لاتيني ،إفريقي، أو عربي؟ هل يمكن أن نعتمد  على اعترافات الزّعامات والقيادات، مهما كانت رُتَبها ومواقعها، بأنّها شعبويّة حتى يتمّ تصنيفها كذلك ؟ هل يكفي نعت البعض للخصوم أو الحلفاء بالشّعبويّة حتى يكون حجّة على دقّة التّصنيف؟ ألم يعد نعت الغير بالشّعبويّة أداة فعّالة في الصّراع السياسيّ ودعاية له في ظلّ علوّ مكانة الشّعبويّة في السّنوات الأخيرة وتحوّلها إلى خصلة إيجابيّة يتزايد الطّلب عليها؟ هل بالإمكان أن نتكلّم عن الشّعوبيّة بحياد؟ هل تُقدّم الشّعبويّة مضامين بديلة لتجاوز أزمة الدّيموقراطية والمؤسّسات الحاكمة، وهل تمنح المواطنين إطارا مجدّدا لسلوكات النّخب السّياسية وغيرها؟ ما العوامل التي رافقت صعود بعض الحركات السّياسيّة "الشّعبويّة" إلى الحكم في بلدان أوروبيّة وفي جنوب أمريكا وشمالها وغيرها من البلدان الاخرى؟ هل تخلّت هذه الحركات عن جزء كبير من برامجها الاقتصاديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة حين مارست الحكم وباشرت السّلطة فغدت أكثر واقعيّة؟ هل نجحت الحركات "الشّعبويّة" في سحب ملفّات وقضايا، ظلّ اليسار يحتكرها لسنوات عديدة ؟ وأخيرا هل استقطبت الشّعبويّة جمهورا من النّاخبين وفئات اجتماعية مختلفة كانت تُعتبر مخزونا سياسيّا وتصويتيّا وفيّا لخصومها ، ما عدّهُ البعض سطوا واستيلاء على هذه الموارد ؟ 

المحور الثالث:  شعبويّات عربيّة

عرفت بعض البلدان العربيّة منذ الموجات الأولى للاستقلال خطابات  شعبويّة مختلفة عبّرت مُبكّرا عن  هذه النّزعة.  لقد كانت النُّخب الحاكمة الصّاعدة حريصة على إثبات أصولها "الشّعبية" ووفائها المطلق للشّعب الذي نكّلت به، حسب اعتقادها، أنظمة سابقة تحالفت مع الاستعمار. كانت هذه الأنظمة وهي تستند إلى إيديولوجيّات ومشارب مختلفة (وطنيّة ، يساريّة ، عروبيّة، تحرريّة ...) في سياقات سياسيّة شديدة التّباين "تُؤسطر" مقولة الشّعب وتدّعي احتكار تمثيله، وهو ما يفسّر معاداتها لمبدأ التّمثيليّة كما نصّت عليه الدّيموقراطية اللّيبيرالية، فشرّعت إلى إلغاء الانتخابات بحكم انتفاء الحاجة إليها  ، وهي التي  تُجسّد إرادة الشّعب حسب ادّعائها  .

كانت الشّعبويّات العربيّة ذات توجّهات سلطويّة استبداديّة فقامت، باسم الشّعب وإرادته، بتخوين الأحزاب وإلغائها، حلّ المجالس النّيابيّة الخ. إذا كانت الشّعبويّات الاخرى تدّعي إصلاح الدّيموقراطية وتخليصها من عيوبها، فإن الشّعبويّات العربيّة كانت معادية لها أصلا.

مع اندلاع الثّورات العربيّة برزت موجة جديدة من الشّعبويّة ، استطاع خطابها أن يعبئ  فئات واسعة من المناصرين والمتعاطفين وأن يؤثّر على مجرى الأحداث ويسبغ على الثّقافة السّياسيّة ألوانا خاصّة تغذى الخطاب السّياسيّ من مفردات جديدة وعرف المشهد السّياسيّ ممارسات غير مألوفة. ينزع هذا الخطاب الشّعبويّ لدى حامليه، وهم من ذوي توجّهات سياسيّة وإيديولوجيّة مختلفة ومتناقضة قادمة من أصول اجتماعيّة غير متجانسة. ويدعو إلى إدانة ما تمخّض عن الانتقال الدّيمقراطي من " فوضى سياسيّة وتراجع سيادة الدّولة وسلطتها وتفقير للشّعب والتّحايل على إرادته".  لهذه الأسباب فإنه يدعي استعادة صوت الشّعب الأصيل.

كان الشّعار السّحري المرفوع " الشّعب يريد" من قبل بعض الفئات بمثابة  الشّهادة  التي تُثبت ، حقيقة أو وهمًا، أنّ تلك الحشود ناطقة باسم الشّعب، عالمة بنواياه  ومدافعة عن مصالحه؛  ولا زال الشّارع "بازارا" سياسيّا يعرض  ما يريده الشّعب. لم تفلح الكثير من ابتكارات الدّيموقراطية و عنفوان المجتمع المدني في احتواء هذا المدّ الغامر. تذكّرنا هذه الممارسات : اعتصامات ، مظاهرات، تنسيقيّات، شبكات اجتماعيّة للتّواصل، رغم فعاليّتها في حالات عديدة، بأنها شكل من أشكال الدّيموقراطية المباشرة التي تطمح إليها بعض الشعبويّات الحاليّة.

يحمل هذا الخطاب الشّعبوي، المنتشر لدى  نخب سياسيّة عديدة،  في طيّاته نقدا صريحا و لاذعا لضعف أداء المؤسسّات السّيادية والنّخب الحاكمة وانعدام  الثّقة في المؤسّسات الدّيموقراطية[5] . ويعتبر أن هذه النُّخب قد تنكّرت لـــــــ"وعودها الثّورية" الواردة في حملاتها الانتخابيّة. كما استطاع  هذا الخطاب ،في حالات عديدة، أن يكون على رأس حركات احتجاجيّة ويفتكُّ الصّدارة الاعلاميّة وينجح في "تأليب" جزء من الجمهور العريض على النُّخب و"يصنع" رأيا عامّا مواليًا له.

تغذّى الخطاب الشّعبويّ العربيّ من أزمة المؤسّسات الدّيمقراطية المنتخبة وسوء اشتغالها، علاوة على هزال المكاسب الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي وعدت بها قوى التّغيير. كما استغلّت الشّعبويّة العربيّة تعطّل الانتقال الدّيمقراطي في أكثر من مكان لتُشدّد من هجوماتها عليه. وذلك ما يدفعنا إلى أن نتساءل عن: العوامل والسّياقات القطريّة والعربيّة التي سمحت ببروز هذا الخطاب ونشأته وتوسّعه؟ ما هي سماته؟ ما هي مضامينه ؟ ما هي قدراته التعبويّة؟ ما مدى نجاحاته وما مؤشّرات إخفاقه؟ هل فعلا هو خطاب متلاعب؟ ما منطقه الخاص في نقده للأوضاع السّياسية والاقتصاديّة؟  كيف استفاد من تنامي الفوارق الاجتماعيّة وتفاقم اللاّمساواة؟ و أخيرا هل يمثل هذا الخطاب الشّعبوي حقيقةً محرّكا للتّغيير الاجتماعيّ ؟

المحور الرابع: التّجربة التونسيّة

تُمثّل تونس حالة دالّة لفهم تحوّلات الخطاب السّياسي، خاصّةً في ظلّ تنامي انعدام الثّقة في مختلف النُّخب السّياسيّة.   لقد برزت تعبيرات سياسيّة وانتخابيّة استثمرت في النُّفُور الشّعبيّ من النّشاط الحزبيّ واستهجانه وازدرائه. مثّلت الشّعبويّة ،بهذا النّزوع، محاولة  في تجديد أشكال العمل السّياسي  والتّعبئة واستثمرت في أنشطة سياسيّة (تنسيقيات، منتديات، حركات...)،وصاغت خطابا نقديّا "للسّيستام" القائم، موظّفةً  ما عدّته ثغرات ونقائص ومعضلات تنخر  "الدّيمقراطية التّونسية" حتّى نجحت في الحصول على مقاعد برلمانيّة، "فحرّرت" المجال السياسيّ نسبيّا من "العلامات الحزبيّة التّقليديّة".

استفادت هذه القوى السّياسيّة الصّاعدة من تردّي الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي عصفت بالفئات المتوسّطة والضّعيفة خلال عشريّة الانتقال الدّيمقراطيّ، واتّخذت هذه الكيانات السّياسية المتنامية صيغا غير تقليديّة (المحتوى- الأساليب- طرق الدّعاية..) في حملاتها الانتخابيّة والسّياسيّة، ولم تربط حضُورها في الفضاء العام وتَرشُّحها لمختلف المناصب والهيئات بالمُثل الثّوريّة أو التّاريخ النّضالي، بل بمهارات وخبرات تسويقيّة وتقنيّات استمالة الجماهير والقرب الميداني منها. كما اقترحت  في الآن ذاته "سلّة" جديدة من البدائل والتّوصيات التي ترى أنها الكفيل الأوحد للخروج من الأزمة.

تكثّفت "قوّة" هذا التّيّار ولا زالت ،في مزجه بين "ادّعائه" روح الوطنيّة والطّهارة والدّفاع عن هيبة الدّولة ووجاهة بدائله، ليُقدّم نفسه على أنه حامي الشّعب والوطن . وفّرت هذه المقاربة لأصحابها ديناميّات جديدة للدّعاية مكّنتهم  من بروز إعلامي لافت نالوا به "إشعاعا" وفرصا للتّأثير الواسع في الخزّان الانتخابي واحتلال مواقع متقدّمة في  المؤسّسات المنتخبة التي شكّلت لهم قلاعا وحصونا رسميّة مُهمّة.

يزعم هذا "المزاج الشّعبوي" أنّه ليس مجرّد خيار جديد في السّياسة والاقتصاد، بل  هو  بديل وحيد قادر على إعادة صياغة المشهد السّياسي الوطنيّ. لقد استفادت الشّعبويّة في تونس من ديناميّات واضحة استلهمت منها أفكارها وحلولها في سياق عرفت فيه مؤسّسات الحكم تَكَلُّسا. كما مثّلت الحركات الاحتجاجيّة المتناميّة، على اختلاف أشكالها ومضامينها، سياقا اجتماعيّا ملائما  تغذّى منه  الخطاب الشعبويّ،  حدّ الادّعاء أنه الممثّل الوحيد والشّرعي لجهة أو فئة أو قطاع.  يدفعنا ذلك إلى أن نتساءل عن خصائص الخطاب الشّعبوي  في "التّجربة التّونسيّة" و إلى من يتوجّه وما هي مفرداته؟ كيف استثمر هذا الخطاب في المزاج النفسيّ المتبرّم لدى فئات واسعة؟ هل استفادت الشّعبويّة حقّا من مراكز نفوذ "الأيادي الخفيّة"؟ إلى أي مدى ساهم تعثّر الانتقال الدّيمقراطي في خلق حواضن للخطاب الشّعبوي؟ كيف يمكن أن تصمد الدّيمقراطية وتتعافى  من أمراضها وهي تواجه الشّعبويّة ؟ وأخيرا هل لعبت السّياقات الجيوسياسيّة والإقليميّة  دورا في تغذّية هذا الخطاب وانتعاشته مؤخّرا؟ 

الهيئةالعلمية

منير كشو: أستاذ تعليم عالٍ، وباحث في الفلسفة الاجتماعية، معهد الدوحة للدراسات العليا.

منير السعيداني: أستاذ تعليم عال وباحث في علم الاجتماع بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية، جامعة المنار، تونس.

مهدي مبروك: أستاذ تعليم عالٍ، وباحث في علم الاجتماع في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة تونس. مدير المركز العربي للأبحاث ودارسة السياسات، فرع تونس.

بوحنية قوي: أستاذ جامعي بجامعة قاصدي مرباح، كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية، ورقلة، الجزائر.

محمد الامام: أستاذ باحث في العلوم السياسية، جامعة جندوبة. ومتحصل على شهادة التأهيل الجامعي لإدارة البحوث من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.

محمد فاوبار: باحث مغربي، أستاذ في علم الاجتماع ، يشغل منسق وحدة بحث: التعليم والسياسات الاجتماعية  بمختبر التنمية الاجتماعية، جامعة فاس، المغرب.

محمد الرحموني: أستاذ محاضر في الحضارة العربية، جامعة المنار، تونس.

أيمن بوغانمي: أستاذ مساعد في الحضارة البريطانية والأميركية، جامعة القيروان، تونس.

شاكر الحوكي:  أستاذ مساعد في القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة المنار، تونس.

أسماء نويرة: أستاذة باحثة في العلوم السياسية بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، جامعة تونس.

أحمد إدعلي: أستاذ محاضر في العلوم السياسية ورئيس شعبة العلوم القانونية والسياسية، ومدير فريق البحث في الدراسات السياسية والدولية بجامعة ابن طفيل، القنيطرة، المغرب.

محرز الدريسي: باحث في علم النفس التربوي، وخبير في الإعلام المدرسي و الجامعي.

عادل العياري: أستاذ مساعد، وباحث في علم اجتماع المؤسسات، جامعة تونس(مقرر اللجنة العلمية(.

تواريخ مهمة

  • تاريخ انعقاد الندوة العلمية: 20-21-22 ماي/ايار 2021.
  • الموعد النهائي لتقديم الملخصات: 14 فيفري/فبراير 2021.
  • موعد الإعلام بنتائج التقييم: 28 فيفري/فبراير 2021.
  • آخر موعد لقبول الورقة العلمية الكاملة Full Paper: 18 افريل/نيسان2021.

شروط المشاركة

  • ملء استمارة التسجيل: يمكن ملء الاستمارة المرفقة، أو الموجودة على الموقع http://carep.tn، مع اختيار أحد المحاور.
  • تقديم الملخصات: يذكر المشارك المحور الذي يشارك فيه. ويراوح عدد كلمات الملخص بين 500و700 كلمة، بما في ذلك عنوان المداخلة، والإشكالية المطروحة، ومنهجية البحث والأفكار الرئيسة، فضلًا عن خمس كلمات مفتاحية على الأقل، وبيبليوغرافيا وجيزة. مع الاحترام التام للشروط العلمية في كتابة الورقة وكتابة الهوامش وقائمة المراجع، انظر:http://dohainstitute.orgأوhttp://carep.tn
  • تقديم الورقة العلمية الكاملة: يراوح عدد الكلمات بين 5000 و7000 كلمة.
  • النص النهائي و الملخص:بالنسبة إلى اللغة العربية يستعمل في ذلك خط Sakkal Majalla، حجم 14،أما بالنسبة إلى اللغات الأخرى، فيستعمل خط Times New Roman،حجم 12(تباعد الأسطر1.5).
  • لغات الندوة: العربية، الفرنسية، الإنكليزية.
  • أصالة الورقة البحثية:لا ينبغي أن يكون الباحث قد شارك بالورقة نفسها في أي مناسبة علمية أخرى.
  • عنوان المراسلة: ترسل مشاريع المداخلات وجوبًا على العنوان الإلكتروني التالي: scientifique@carep.tn
  • النشر:يتمّ نشر أعمال هذه الندوة باللغة العربية في وقت لاحق، ويتمّ إعلام المشاركين بذلك.
  • يتولى المركز ترجمة النصوص من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية.
  • يتولى المؤتمر تغطية نفقات التنقل والإقامة، و لا يمنح أي مكافأة عن أي بحث قُدم في المؤتمر، وللمركز حقوق الملكية الفكرية للبحوث المقبولة.

الاستفسارات: من خلال البريد الإلكترونيa.scientifiques@carep.tn، أو الهاتف:(00216) 70 147 384.

[1]Ernesto Laclau, La Raison populiste (Paris :Seuil, 1978).

[2]Christopher Lasch, La Révolte desélites et la trahison de la démocratie, trad Christian Fournier  (Paris : Flammarion, 2010)

[3]Pierre Rosanvallon , Le Siècle du Populisme, : Histoire, théorie, critique( Paris : Seuil, 2020).

[4]Cf ; Pierre -André Taguieff, «  le populisme et la science politique, du mirage conceptuel au vrais problème », Revue d’histoire, N°56, (1997) ;   Pierre- André Taguieff, l’illusion populiste. De l’archaïque au médiatique (Paris : Berg International, 2002). ;

[5] عزمي بشارة، في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية( بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019).

Lugares

  • Tunez, Túnez (1082)

Fecha(s)

  • dimanche 14 de février de 2021

Contactos

  • Henda Ghribi
    courriel : carep [dot] tn [at] gmail [dot] com

URLs de referencia

Fuente de la información

  • Henda Ghribi
    courriel : carep [dot] tn [at] gmail [dot] com

Para citar este anuncio

« Le populisme : dilemmes théoriques, contextes de propagation et expériences comparées », Convocatoria de ponencias, Calenda, Publicado el vendredi 15 de janvier de 2021, https://calenda-formation.labocleo.org/831816

Archivar este anuncio

  • Google Agenda
  • iCal
Buscar en OpenEdition Search

Se le redirigirá a OpenEdition Search